الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **
وقاتل حمزة بن عبدالمطلب حتى قتل أرطاة بن عبد شرحبيل بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار ، وكان أحد النفر الذين يحملون اللواء ، ثم مر به سباع بن عبدالعزى الغبشاني ، وكان يكنى بأبي نيار ، فقال له حمزة : هلم إلي يابن مقطعة البظور - وكانت أمه أم أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي . قال ابن هشام : شريق بن الأخنس بن شريق . وكانت ختانة بمكة - فلما التقيا ضربه حمزة فقتله . قال وحشي ، غلام جبير بن مطعم : والله إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه ما يليق به شيئا ، مثل الجمل الأورق إذ تقدمني إليه سباع بن عبدالعزى ، فقال له حمزة : هلم إلي يابن مقطعة البظور ، فضربه ضربة ، فكأن ما أخطأ رأسه ، وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه ، فوقعت في ثنته ، حتى خرجت من بين رجليه ، فأقبل نحوي ، فغلب فوقع ، وأمهلته حتى إذا مات جئت فأخذت حربتي ، ثم تنحيت إلى العسكر ، ولم تكن لي بشيء حاجة غيره . قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن الفضل بن عباس بن ربيعة ابن الحارث عن سليمان بن يسار عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال : خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار ، أخو بني نوفل بن عبد مناف ، في زمان معاوية بن أبي سفيان ، فأدربنا مع الناس ، فلما قفلنا مررنا بحمص - وكان وحشي مولى جبير بن مطعم ، قد سكنها ، وأقام بها - فلما قدمناها ، قال لي عبيد الله بن عدي : هل لك في أن نأتي وحشيا فنسأله عن قتل حمزة كيف قتله ؟ قال : قلت له : إن شئت. فخرجنا نسأل عنه بحمص ، فقال لنا رجل ، ونحن نسأل عنه : إنكما ستجدانه بفناء داره ، وهو رجل قد غلبت عليه الخمر ، فإن تجداه صاحيا تجدا رجلا عربيا ، وتجدا عنده بعض ما تريدان ، وتصيبا عنده ما شئتما من حديث تسألانه عنه ، وإن تجداه وبه بعض ما يكون به ، فانصرفا عنه ودعاه ، قال : فخرجنا نمشي حتى جئناه ، فإذا هو بفناء داره على طنفسة له ، فإذا شيخ كبير مثل البغاث . - قال ابن هشام : البغاث : ضرب من الطير يميل إلى السواد - فإذا هو صاح لا بأس به . قال : فلما انتهينا إليه سلمنا عليه ، فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي ، فقال : ابن لعدي بن الخيار أنت ؟ قال : نعم ؛ قال : أما والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى ، فإني ناولتكها وهي على بعيرها ، فأخذتك بعرضيك ، فلمعت لي قدماك حين رفعتك إليها ، فوالله ما هو إلا أن وقفت علي فعرفتهما . قال : فجلسنا إليه ، فقلنا له : جئناك لتحدثنا عن قتلك حمزة ، كيف قتلته ؟ فقال : أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألني عن ذلك ، كنت غلاما لجبير بن مطعم ، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر ؛ فلما سارت قريش إلى أحد ، قال لي جبير : إن قتلت حمزة عم محمد بعمي فأنت عتيق . قال : فخرجت مع الناس ، وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة ، قلما أخطئ بها شيئا ؛ فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره ، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق ، يهد الناس بسيفه هدا ، ما يقوم له شيء ، فوالله إني لأتهيأ له ، أريده وأستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبدالعزى ؛ فلما رآه حمزة قال : له هلم إلي يا ابن مقطعة البظور. قال : فضربه ضربة كأن ما أخطأ . رأسه قال : وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها ، دفعتها عليه ، فوقعت في ثنته . حتى خرجت من بين رجليه ، وذهب لينوء نحوي ، فغلب ، وتركته وإياها حتى مات ، ثم أتيته فأخذت حربتي ، ثم رجعت إلى العسكر ، فقعدت فيه ، ولم يكن لي بغيره حاجة ، وإنما قتلته لأعتق . فلما قدمت مكة أعتقت ، ثم أقمت حتى إذا افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة هربت إلى الطائف ، فمكثت بها ، فلما خرج وفد الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا تعيت علي المذاهب ، فقلت : ألحق بالشام ، أو باليمن ، أو ببعض البلاد ، فوالله إني لفي ذلك من همي ، إذ قال لي رجل : ويحك ! إنه والله ما يقتل أحدا من الناس دخل في دينه ، وتشهد شهادته . فلما قال لي ذلك ، خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلم يرعه إلا بي قائما على رأسه أتشهد بشهادة الحق ؛ فلما رآني قال : أوحشي ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة ، قال : فحدثته كما حدثتكما ، فلما فرغت من حديثي ، قال : ويحك ! غيب عني وجهك ، فلا أرينك . قال : فكنت أتنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان لئلا يراني ، حتى قبضه الله ( صلى الله عليه وسلم ) . فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم ، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة ؛ فلما التقى الناس رأيت مسيلمة الكذاب قائما في يده السيف ، وما أعرفه ، فتهيأت له ، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى ، كلانا يريده ، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه ، فوقعت فيه ، وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف ، فربك أعلم أينا قتله ، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قتلت شر الناس . قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن الفضل ، عن سليمان بن يسار ، عن عبدالله بن عمر بن الخطاب ، وكان قد شهد اليمامة ، قال : سمعت يومئذ صارخا يقول : قتله العبد الأسود . قال ابن هشام : فبلغني أن وحشيا لم يزل يحد في الخمر حتى خلع من الديوان ، فكان عمر بن الخطاب يقول : قد علمت أن الله تعالى لم يكن ليدع قاتل حمزة . قال ابن إسحاق : وقاتل مصعب بن عمير دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل ، وكان الذي قتله ابن قمئة الليثي ، وهو يظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجع إلى قريش فقال : قتلت محمدا . فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء علي بن أبي طالب ، وقاتل علي بن أبي طالب ورجال من المسلمين . قال ابن هشام : وحدثني مسلمة بن علقمة المازني ، قال : لما اشتد القتال يوم أحد ، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية الأنصار ، وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه : أن قدم الراية . فتقدم علي ، فقال : أنا أبو الفُصَم ، - ويقال : أبو القصم فيما قال ابن هشام - فناداه أبو سعد بن أبي طلحة ، وهو صاحب لواء المشركين : أن هل لك يا أبا القصم في البراز من حاجة ؟ قال : نعم . فبرزا بين الصفين ، فاختلفا ضربتين فضربه علي فصرعه ، ثم انصرف عنه ولم يجهز عليه ؛ فقال له أصحابه : أفلا أجهزت عليه ؟ فقال : إنه استقبلني بعورته ، فعطفتني عنه الرحم ، وعرفت أن الله عز وجل قد قتله . ويقال : إن أبا سعد بن أبي طلحة خرج بين الصفين ، فنادى : أنا قاصم ، من يبارز برازا ، فلم يخرج إليه أحد . فقال : يا أصحاب محمد ، زعمتم أن قتلاكم في الجنة ، وأن قتلانا في النار ، كذبتم واللات ! لو تعلمون ذلك حقا لخرج إلي بعضكم ، فخرج إليه علي بن أبي طالب ، فاختلفا ضربتين ، فضربه علي فقتله . وقاتل عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، فقتل مسافع بن طلحة ، وأخاه الجلاس بن طلحة ، كلاهما يشعره سهما ، فيأتي أمه سلافة ، فيضع رأسه في حجرها فتقول : يا بني ، من أصابك ؟ فيقول : سمعت رجلا حين رماني وهو يقول : خذها وأنا ابن أبي الأقلح ، فنذرت إن أمكنها الله من رأس عاصم ، أن تشرب فيه الخمر ، وكان عاصم قد عاهد الله أن لا يمس مشركا أبدا ، ولا يمسه مشرك . وقال عثمان بن أبي طلحة يومئذ ، وهو يحمل لواء المشركين : إن على أهل اللواء حقا * أن يخضبوا الصعدة أو تندقا فقتله حمزة بن عبدالمطلب والتقى حنظلة بن أبي عامر الغسيل وأبو سفيان ، فلما استعلاه حنظلة بن أبي عامر رآه شداد بن الأسود ، وهو ابن شعوب ، وقد علا أبا سفيان . فضربه شداد فقتله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن صاحبكم ، يعني حنظلة ، لتغسله الملائكة . فسألوا أهله ما شأنه ؟ فسئلت صاحبته عنه . فقالت : خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة . - قال ابن هشام : ويقال : الهائعة . وجاء في الحديث : خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه ، كلما سمع هيعة طار إليها ، قال الطرماح بن حكيم الطائي ، والطرماح : الطويل من الرجال : أنا ابن حماة المجد من آل مالك * إذا جعلت خور الرجال تهيع والهيعة : الصيحة التي فيها الفزع - قال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لذلك غسَّلته الملائكة . شعر الأسود وأبي سفيان في قتل حنظلة قال ابن إسحاق : وقال شداد بن الأسود في قتله حنظلة : لأحمين صاحبي ونفسي * بطعنة مثل شعاع الشمس وقال أبو سفيان بن حرب ، وهو يذكر صبره في ذلك اليوم ، ومعاونة ابن شعوب إياه على حنظلة ولو شئت نجتني كميت طمرة * ولم أحمل النعماء لابن شعوب ومازال مهري مزجر الكلب منهم * لدن غدوة حتى دنت لغروب أقاتلهم وأدعي يا لغالب * وأدفعهم عني بركن صليب فبكي ولا ترعي مقالة عاذل * ولا تسأمي من عبرة ونحيب أباك وإخوانا له قد تتابعوا * وحق لهم من عبرة بنصيب وسلي الذي قد كان في النفس أنني * قتلت من النجار كل نجيب ومن هاشم قرما كريما ومصعبا * وكان لدى الهيجاء غير هيوب ولو أنني لم أشف نفسي منهم * لكانت شجا في القلب ذات ندوب فآبوا وقد أودى الجلابيب منهم * بهم خدب من معطب وكئيب أصابهم من لم يكن لدمائهم * كفاء ولا في خطة بضريب حسَّان يرد على أبي سفيان فأجابه حسَّان بن ثابت ، فيما ذكر ابن هشام ، فقال : ذكرت القروم الصيد من آل هاشم * ولست لزور قلته بمصيب أتعجب أن أقصدت حمزة منهم * نجيبا وقد سميته بنجيب ألم يقتلوا عمرا وعتبة وابنه * وشيبة والحجاج وابن حبيب غداة دعا العاصي عليا فراعه * بضربة عضب بله بخضيب رد ابن شعوب على أبي سفيان قال ابن إسحاق : وقال ابن شعوب يذكر يده عند أبي سفيان فيما دفع عنه ، فقال : ولولا دفاعي يا بن حرب ومشهدي * لألفيت يوم النعف غير مجيب ولولا مكري المهر بالنعف قرقرت * ضباع عليه أو ضراء كليب قال ابن هشام : قوله " عليه أو ضراء " عن غير ابن إسحاق . شعر الحارث في الرد على أبي سفيان أيضا قال ابن إسحاق : وقال الحارث ابن هشام يجيب أبا سفيان : جزيتهم يوما ببدر كمثله * على سابح ذي ميعة وشبيب لدى صحن بدر أو أقمت نوائحا * عليك ولم تحفل مصاب حبيب وإنك لو عاينت ما كان منهم * لأبت بقلب ما بقيب نخيب قال ابن هشام : وإنما أجاب الحارث بن هشام أبا سفيان لأنه ظن أنه عرض به في قوله : وما زال مهري مزجر الكلب منهم * لفرار الحارث يوم بدر . قال ابن إسحاق : ثم أنزل الله نصره على المسلمين وصدقهم وعده ، فحسوهم بالسيوف حتى كشفوهم عن العسكر ، وكانت الهزيمة لا شك فيها . قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن عبدالله بن الزبير ، عن الزبير ، أنه قال : والله لقد رأيتني أنظر إلى خدم هند بنت عتبة وصواحبها مشمرات هوارب ، ما دون أخذهن قليل ولا كثير ، إذ مالت الرماة إلى العسكر ، حين كشفنا القوم عنه وخلوا ظهورنا للخيل ، فأتينا من خلفنا ، وصرخ صارخ : ألا إن محمدا قد قتل ، فانكفأنا وانكفأ علينا القوم بعد أن أصبنا أصحاب اللواء حتى ما يدنو منه أحد من القوم . قال ابن هشام : الصارخ : أزبّ العقبة ، يعني الشيطان . قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم : أن اللواء لم يزل صريعا حتى أخذته عمرة بنت علقمة الحارثية ، فرفعته لقريش ، فلا ثوابه . وكان اللواء مع صؤاب ، غلام لبني أبي طلحة ، حبشي ، وكان آخر من أخذه منهم ، فقاتل به حتى قطعت يداه ، ثم برك عليه ، فأخذ اللواء بصدره وعنقه حتى قتل عليه ، وهو يقول : اللهم هل أعزرت - يقول : أعذرت - فقال حسَّان بن ثابت في ذلك : فخرتم باللواء وشر فخر * لواء حين رد إلى صؤاب جعلتم فخركم فيه بعبد * وألأم من يطا عفر التراب ظننتم والسفيه له ظنون * وما إن ذاك من أمر الصواب بأن جلادنا يوم التقينا * بمكة بيعكم حمر العياب أقر العين أن عصبت يداه * وما إن تعصبان على خضاب قال ابن هشام : آخرها بيتا يروي لأبي خراش الهذلي ، وأنشدنيه له خلف الأحمر : أقر العين أن عصبت يداها * وما إن تعصبان على خضاب في أبيات له ، يعني امرأته ، في غير حديث أحد . وتروى الأبيات أيضاً لمعقل بن خويلد الهذلي .
|